العلوم الإنسانية والإجتماعية

الأسواق واقتصاد الرفاه لبناء مجتمع السوق

2014 مجتمع السوق

سبايز بوتشر

مؤسسة الكويت للتقدم العلمي

العلوم الإنسانية والإجتماعية التكنولوجيا والعلوم التطبيقية

تزعم اقتصادات الكلاسيكية الجديدة أنها نظرية إيجابية، ما يعني أنها تشرح كيف هو العالم، بدل أن تكون نظريةً معيارية تشرح كيف يجب أن يكون عليه العالم. وتزعم نظرية السعر الكلاسيكية الجديدة أنها تشرح كيف تحدد الأسعار في السوق وليس كيف يجب تحديدها. ولكن من الواضح أن للتحليل الكلاسيكي الجديد تضمينات معيارية لأن التحليل يشير إلى أن حصيلة السوق هي أيضاً حصيلة جيدة.

توجد حجج مختلفة تدعم السوق كالمؤسسة الأساسية لتنظيم الاقتصاد. وتركز المدرسة النمسوية التي تضمّ منظّرين كهايك على أن الأسواق تعزز الحرية الفردية والمشاريع. ولكن للاقتصادات الكلاسيكية مبررات أكثر حسابيةً. فالنظام الفرعي المتعلق باقتصاد الرفاه يسعى لتقييم محصلات مختلفة بدل تحديد اقتصاد رفاه معياري. وهنا، للرفاه معنى محدد، فهو انعكاس لـ "التخصيص الأمثل" (Optimal Allocation) بدل أن يكون "الرفاه"(Wellbeing) .

ظهرت اقتصادات الرفاه كما طوّرها أي سي بيغو  (A C Pigou)(]1920 [1938) لترشد السياسة العامة في وقت كانت تصبح فيه النظرية الاقتصادية أكثر حسابيةً وبات واضعو السياسات أقلّ قدرةً على استيعابها. ورأى بيغو أن ثمّة حاجة للإضاءة على الظروف التي يمكن بموجبها للحكومات أن "تتدخل" في توزيعات السوق.

ولكن بما أن الاقتصادات الكلاسيكية الجديدة تفضّل النظرية الإيجابية على النظرية المعيارية، فهي ترى أن اقتصادات الرفاه يجب أن تصدر أحاكماً تقديريةً ضعيفةً فقط، يقبلها معظم الناس. واستناداً إلى ذلك، اعتمد اقتصاديو الرفاه مقاربةً وضعها الاقتصادي الإيطالي فيلفريدو باريتو (Vilfredo Pareto). فعلى الصعيد الاجتماعي، يقول باريتو  Pareto(]1906 [1972) إن الطبيعة الذاتية للـ "رفاه" تعني أنه لا يمكننا أن نقارن بشكل ملائم رفاه أشخاص مختلفين. ولكن يمكننا الحكم أنه في حال جعل تغيير ما بعض الأشخاص أفضل حالاً، ولم يجعل أي شخص في حال أسوأ، يكون الوضع قد تحسّن.

ومن المزاعم المهمة لاقتصادات الرفاه أنها في ظلّ ظروف محددة تتعلق بالعقلانية الفردية والمنافسة المثالية، تعطي الاقتصادات الحرّة النتائج الفضلى. ويقول مؤيدو هذه النظرية إن الحرية في التجارة والتبادل تعني أن الناس لا ينخرطون في التبادلات إلا إذا رأوا مصلحةً لهم. فإن كنت تقدّر غرضاً ما بقيمة تفوق تقدير مالكه، يمكن أن تعرض مبادلته بغرض تقدّره بدرجة أقل ولكن قد يقدّره هو بقيمة أكبر. ومن خلال هذه التبادلات يتحسّن رفاه الجميع حتى يأتي وقت لا يمكن فيه إجراء المزيد من التبادلات لأنها لن تعود تسهم في تحسّن وضع أي شخص أكثر ممّا وصل إليه، ويعكس ذلك حالةً من "التوازن".

وفي كلّ حال، تبقى النتيجة النهائية مستندةً إلى التوزيع الأساسي للموارد. فالأشخاص الذين لا يملكون إلا القليل لتبادله لن يحققوا على الأرجح أرباحاً كبيرةً. غير أن تحسين نصيبهم قد يتطلب إعادة توزيع من خلال أخذ شيء ما من جيران أكثر ثراءً، وقد فكّر باريتو في تغييرات مماثلة من أجل طلب أحكام تقديرية قوية. بدل ذلك، قال إن الأسواق تعطي النتائج الفضلى مع أخذ توزيع الدخل في عين الاعتبار وصمتَ حيال ما يجب أن يكون عليه التوزيع الأساسي.

طوّرت النظرية الكلاسيكية الجديدة الفكرة منذ ذلك الحين، معتبرةً أن الأسواق الحرّة تعطي النتيجة القصوى من خلال حصص كافية. وأي "تدخل" في السوق لناحية الإعالات لبعض المنتجين أو ضريبة على تجارة أو قوانين تفرض قيوداً على بعض أنواع الإنتاج، فهي تشوّه الأسعار وتخفض الرفاه الإجمالي.

ولا يزال هذا العنصر من الاقتصادات الكلاسيكية الجديدة مثيراً للجدل، وترفض بعض الانتقادات الموجّهة لهذه المقاربة الأحكام التقديرية لباريتو. ولكن بشكل أكثر شيوعاً، رفض علماء اجتماع آخرون منهجية الاقتصادات الكلاسيكية الجديدة، معتبرين أن افتراضاتها تجعل استنتاجاتها متحيزةً. وبعبارة أخرى، يقولون إن هذه النظرية ليست إيجابيةً على الإطلاق لا بل منهجيتها الداعية للفردية تقود إلى انحياز مؤيد للسوق من خلال التركيز على بعض مميزات السوق وتجاهل أخرى.

[KSAGRelatedArticles] [ASPDRelatedArticles]

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى