الفيزياء

اختبار شدة الإشعاعات في الفلزات المختلفة

2013 الرمل والسيليكون

دنيس ماكوان

مؤسسة الكويت للتقدم العلمي

الفيزياء

هل يعتبر اليورانيوم فريداً أو هل يوجد مواد أخرى يمكن أن تُصدر أشعة بيكريل؟

قرَّر آل كوري البحث عن مواد أخرى. وللقيام بذلك، احتاجا طريقة سريعة لاختبار عدة مواد مختلفة، ولقد لعب الكوارتز دوراً هاماً في الاختبار.

كما قررا استعمال ناقلية الهواء المؤين كقياس لوجود هذا النوع الجديد من الإشعاع. وكان يمكنهما اختبار وجود الإشعاع بواسطة وجود أو غياب الحقل الكهربائي، وللقيام بذلك، احتاجا جهازاً محساساً للتيار الكهربائي الضعيف جداً الناتج عن الإشعاع.

وكان بيار قد طور مسبقاً الأجزاء الضرورية حيث كان قد طور مقياس شحنة محساس وكان يمكنه توليد كمية محددة من شحنة كهربائية على شكل استجابة كهرضغطية لبلورة كوارتز.

كانت فكرة آل كوري استعمال مقياس الشحنة لمقارنة الشحنة الناتجة عن الهواء المؤين مع الشحنة الناتجة عن البلورة الكهرضغطية.

يبين الشكل 3.1 الجهاز المطور لفرز المواد بالنسبة للإشعاع التلقائي.

 

يَشُد وزن على بلورة كوارتز فيتولد فيها كمية معروفة من الشحنة الكهربائية كما يشير مقياس الشحنة. ترسب المادة قيد الاختبار بين لبوسي مكثفة، فيؤين الإشعاع الهواء وتتولد جسيمات مشحونة ينتج عنها تيار ضعيف جداً يمر بين لبوسي المكثفة.

ومن أجل تحديد شدة النشاط الإشعاعي في المادة، كان يجب قياس سرعة مرور الشحنة في المكثفة. في البداية، يتم إغلاق القاطعة بحيث يمر التيار عبر المكثفة ويعود إلى الأرض. وعند فتح القاطعة، يسجل مقياس الشحنة الناتجة عن الاستجابة الكهرضغطية للكوارتز نتيجة شده بالوزن.

علاوة على ذلك، تنتج الشحنات عن تأين الهواء في المكثفة. أرادت ماري إزالة الوزن عن الكوارتز، فأظهر مقياس الشحنة ضياع الشحنة مع تناقص الفولطية الكهرضغطية نحو الصفر.

وبواسطة ساعة ميقاتية، أرادت قياس الزمن اللازم كي يولد النشاط الإشعاعي كمية كافية من الشحنة لتعويض الشحنة الأصلية الناتجة عن كهرضغطية الكوارتز.

وتكون شدة النشاط الإشعاعي مساوية حاصل قسمة الشحنة الابتدائية الناتجة عن الكوارتز على الزمن اللازم لتعادل مقياس الشحنة.

في عام 2006، الذكرى المئوية لوفاة بيار كوري، جمَّع علميو المدرسة العليا للكيمياء والفيزياء في باريس (ESPCP) الجهاز الذي بُني من قبل مُصنع الأجهزة شارل بودوان (Charles Beaudouin) من أجل عائلة كوري وأعادوا تحقيق التجربة الأصلية (Barbo 2004) ووجدوا أنهم قادرون على قياس تيار أصغر من 10-13 أمبير.

 

وفي هذا السياق، يتبين أن مقاييس الشحنة الحديثة ليست إلا 100 مرة أكثر دقة (10-15) من الجهاز الذي استعملته عائلة كوري منذ قرن.

استعمل آل كوري جهازهم لاختبار النشاط الإشعاعي في عدة فلزات مختلفة ووجدوا أن الفلزات التي تحتوي على عنصري اليورانيوم والتوريوم تتمتع بالنشاط الإشعاعي، وعلاوة على ذلك، تتناسب شدة النشاط الإشعاعي مع كمية هذه الأجهزة في المركبات، الأمر الذي يشير إلى أن أشعة بيكريل كانت لا بد أن تأتي من هذه الأجهزة المحددة.

ومع ذلك، أظهر فلز البيتشبلند (Pitchblend)، أحد الفلزات التي تحتوي اليورانيوم والثوريوم، سلوكاً غريباً حيث كان النشاط الإشعاعي أكبر من المتوقع بالاعتماد على كمية اليورانيوم والثوريوم وتغير من عينة إلى أخرى.

ولقد قاد ذلك إلى اقتراح وجود شيء آخر يولد أشعة بيكريل إضافة إلى اليورانيوم والثوريوم. وقد تنبأت ماري أنه لابد من وجود كميات صغيرة من الشوائب في فلز البيتشبلند وأنها كانت أجهزة جديدة غير معروفة سابقاً.

كان التحدي في تحديد المكون المشع الإضافي في البيتشبلند. وخلال سنوات عديدة، طور الكيميائيون سلسلة من التفاعلات الكيميائية لفصل مركبات من أجهزة مختلفة عن بعضها البعض. وتعتمد السلسلة على فروقات انحلالية المركبات الكيميائية بحيث أنه في تفاعل معين تبقى شوارد أجهزة واحد من أعمدة الجدول الدوري في المحلول بينما تنفصل عنه شوارد أجهزة عمود آخر أو تترسب.

 

وكطالب كيمياء في المعهد، أتذكر مقرر التحليل الكيميائي الكيفي والساعات الطويلة التي كان يتطلبها المرور منهجياً من تفاعل إلى تفاعل في طريقة إجراء (وصفة) تحليل مادة مجهولة.

كان على آل كوري القيام بسلسلة مشابهة من الفصل الكيميائي، وفي كل مرحلة على الطريق، كانوا يحددون فيما إذا كان الجزء المشع في المحلول أم في الراسب. ولقد مكَّنهم ذلك من تتبع النشاط الإشعاعي في حين كانوا يمارسون التحليل الكيميائي، ومن التوصل إلى مكونين مختلفين يتمتعان بنشاط إشعاعي معتبر.

امتلك الأول خواص كيميائية شبيهة بالبيزموت والآخر شبيهة بالباريوم. وباعتبار أن المكونين يقعان في أعمدة من الجدول الدوري تختلف عن الثوريوم واليورانيوم، فإن النشاط الإشعاعي المرتفع لا يعود إلى أي منهما. وكما ظنت ماري في البداية، كان لا بد أن يحتوي البيتشبلند على شوائب من أجهزة جديدة.

عندما يعيد المرء النظر إلى هذه التجارب، يرى أنها حقاً ملفتة للنظر. فقد فصل آل كوري كميات جسيمة من هذه الأجهزة من البيتشبلند. علاوة على ذلك، لم يكن بحوزتهم في ذلك الوقت تجهيزات تحليل ولا حتى مختبراً مناسباً، كما أن عملهم قد جرى في ورشة خلف البناء الرئيسي للمعهد.

 

كان المجتمع العلمي متشككاً حول نتائجهما، وفي النهاية، وحيث يوطِّد النظر الإيمان، كان على آل كوري عزل كمية كافية من كل عنصر للتمكن من إطلاع زملائهما على عينة عيانية. وقد تطلب ذلك حقيقةً معالجة أطنان من البيتشبلند لفصل كميات قابلة للوزن، ومع مثابرة ماري، أثبتا وجود البلوتونيوم والراديوم.

وقد حددا الوزن الذري لكل عنصر لبيان أنه يختلف عن أي عنصر آخر إضافة إلى امتلاك خواص كيميائية مختلفة. تقاسمت ماري وبيار كوري جائزة نوبل في الفيزياء عام 1903 مع هنري بيكريل من أجل دراساتهم في النشاط الإشعاعي.

وبكل آسف لعالم الفيزياء، لاقى بيار حتفه قبل أوانه عام 1906 عن 47 عام عندما كان يمتطي عربة يقودها حصان. واستمر إرثه ليس فقط عبر زوجته وابنته لكن أيضاً عبر تلميذه بول لانغفان (Paul Langevin) الذي استعمل كهرضغطية الكوارتز في جهازه للكشف عن الغواصات.

[KSAGRelatedArticles] [ASPDRelatedArticles]

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى