
أين أنت؟ كم الساعة؟
كيف أصبحت ساعات العالم وإحداثياته الجغرافية تُضبط وفقًا لحي صغير في لندن
بقلم: بن بيغز
كان تحديد الوقت أكثر تعقيدًا مما هو عليه الآن. لدينا اليوم 24 منطقة زمنية مدتها ساعة واحدة في جميع أنحاء العالم، وإذا انتقلنا غربًا أو شرقًا، عابرين من منطقة إلى أخرى، فإننا نعرف أنه يجب تقديم أو تأخير ساعاتنا وهواتفنا ساعة واحدة. لكن قبل 200 سنة في بريطانيا، قبل وجود الساعات الرقمية، عندما كانت ساعات اليد حكرًا على الأثرياء، وكان معظم الناس يعلمون الوقت عن طريق جرس الكنيسة أو حتى المزولة، كان لدينا وقت محلي. كانت فروق التوقيت بين المدن والمستوطنات الرئيسية مسألة دقائق. فمثلًا، تقع بليموث Plymouth على بعد نحو 180 ميلًا إلى الغرب من حي غرينتش Greenwich في لندن، لذلك كانت الساعات في مدينة ديفون Devon الحدودية متأخرةً عن تلك الموجودة في غرينتش بمقدار 16 دقيقة و30 ثانية. ولم يكن هذا مهمًا كثيرًا، لأن السفر بين المدن كان بطيئًا للغاية، ولم يكن سوى عدد قليل من المسافرين يمتلكون ساعات محمولة تتطلب تعديلًا. لكن قطارات السكك الحديدية السريعة حلَّت محل العربات التي تجرها الخيول، ولذلك فبحلول منتصف القرن التاسع عشر، أصبحت أوقات المتوسط المحلي المختلفة في كل محطة قطار مربكة للغاية.

في غرينتش، لندن
في العام 1828، سعى صانع الساعات بنيامين لويس فوليامي Benjamin Lewis Vulliamy إلى ضبط جميع الساعات العامة في لندن، والتي كانت جميعها تُظهر أوقاتًا مختلفة، وفقًا لساعة كاتدرائية سانت بول St Paul’s Cathedral. وفي العام 1845، قدم رجل الأعمال في مجال السكك الحديدية هنري بوث Henry Booth عريضة إلى البرلمان يطالب فيها بأن تُضبط جميعُ الساعات العامة في البلاد وفقًا لساعة سانت بول. وعندما رُكِّبت ساعة كهربائية لدى المرصد الملكي في غرينتش في العام 1852، وكانت متصلة بمحطات القطار عبر أسلاك التلغراف، أصبح في الإمكان ضبط جميع الساعات العامة في البلاد وفقًا للمرصد الملكي في غرينتش، مما أدى إلى تأسيس توقيت غرينتش المتوسط Greenwich Mean Time.
تحدّد خط الطول الرئيسي Prime meridian – وهو الخط الوهمي الذي يقع عند درجة الصفر من خطوط الطول ويمتد من الشمال إلى الجنوب عبر غرينتش وعبر العالم – بطريقة مشابهة تقريبًا في الفترة نفسها التي اعتمد فيها توقيت غرينتش المتوسط. ففي العام 1851، أجرى تلسكوب جديد ومتطور يُدعى «دائرة عبور آيري» Airy Transit Circle أولى ملاحظاته من المرصد

وهو الأول في سلسلة الكرونومترات التي صنعها
هاريسون لحل مشكلة تحديد خط الطول في البحر
الملكي في غرينتش، ومنذ ذلك الحين أصبح مركزًا لعلماء الفلك والعلماء والملاحين من جميع أنحاء العالم، بينما اعتمدت معظم شركات الشحن على الخرائط المستندة إلى ملاحظات دائرة عبور آيري. ومع ذلك، كانت عديد من الدول في ذلك الوقت لا تزال تحدد خط الطول الرئيسي الخاص بها وفقًا لمراصدها الوطنية.
مع تصاعد العولمة في العقود التالية، أصبح من الواضح بقدر متزايد أن هناك حاجة إلى خط طول رئيسي دولي موحد. لذلك اجتمع 41 مندوبًا يمثلون 26 دولة في العاصمة الأمريكية واشنطن للتصويت على مكان تحديد هذا الخط. وقد صوتت الغالبية الساحقة من الدول لمصلحة غرينتش، وذلك لأسباب عملية بالدرجة الأولى، إذ كانت معظم خرائط الملاحة البحرية تعتمد على خط الطول الرئيسي لغرينتش Greenwich prime meridian.
5 حقائق عن طُرُق حساب الطول
1 المسافات القمرية
في القرن الخامس عشر، اقتُرح قياس المسافة بين القمر وما كان يُعرف آنذاك باسم «النجوم الثابتة» Fixed stars كوسيلة لحساب خط الطول، لكن ذلك كان يتطلب أدواتٍ وخرائطَ لم تكن دقيقة بما يكفي في ذلك الوقت.
2 أقمار المشتري
بعد اكتشافه أسطع أقمار كوكب المشتري الأربعة، طرح الفلكي غاليليو Galileo فكرة استخدام مداراتها لقياس وقت عالمي يُمكن استخدامُه لحساب خطوط الطول. إلا أن بعض الصعوبات العملية حالت دون استخدام طريقته في البحر.
3 عبور الزُّهَرة
سمح تحرك كوكب الزُّهَرة عبر قرص الشمس في العام 1769 بحساب دقيق لخط الطول لأكثر من 100 ميناء حول العالم.
4 نقل الساعات
من خلال ضبط ساعة على السفينة على توقيت ميناء ذي خط طول معروف، كان في الإمكان تحديد خط طول وجهة السفينة بمقارنة التوقيت المحلي مع توقيت الساعة. كانت هذه الطريقة غير دقيقة إلى حد كبير حتى اختراع الكرونومتر البحريMarine chronometer.
5 حساب البوصلة
تُستخدَم طريقة الانحراف المغناطيسي Magnetic declination الزاوية بين الشمال المغناطيسي، الذي تشير إليه البوصلة، والشمال الحقيقي. وقد رسم الفلكي إدموند هالي Edmond Halley خريطة تُظهر خطوط الانحراف المغناطيسي، لكن هذه الطريقة أثبتت في النهاية أنها غير موثوق بها بما يكفي للملاحة البحرية.
الذكرى السنوية الـ 350

لمرصد غرينتش الملكي للفنان جان غريفير Jan Griffier
وُضع حجر الأساس لمرصد غرينتش الملكي في أغسطس 1675 فيما كان يُعرَف آنذاك بحديقة غرينتش، بناءً على أمر من الملك تشارلز الثاني Charles II بإنشاء مكان «لتحسين الملاحة وعلم الفلك». لم يكن هذا سعيًا من ملك يشعر بالملل: فقد كان القرن السابع عشر عصرًا للتجارة والفتوحات والتوسع، وكانت أجزاء كبيرة من المحيط مجهولة وتصعب الملاحة فيها. كان في وسع الملاحين تحديدُ موقعهم من الشمال إلى الجنوب (خطوط العرض Latitude) بسهولة نسبية، لكن بمجرد الوصول إلى المياه المفتوحة، يصبح تحديد موقعهم من الشرق إلى الغرب (خطوط الطول Longitude) أصعب بكثير. ومع بناء المرصد الملكي وتعيين أول فلكي ملكي، جون فلامستيد، أصبحت بريطانيا رائدة في مجال الملاحة وعلم الفلك.
التلسكوب ياب العملاق
عند افتتاحه في العام 1934، كان التلسكوب ياب (YAPP) العاكس هو أكبر تلسكوب مستخدم في مرصد غرينتش الملكي حتى خمسينيات القرن العشرين
![]()
1 مرآة أولية مكافئة Parabolic Primary Mirror
يسقط الضوء الآتي من الفضاء أولًا على هذه المرآة الزجاجية العاكسة البالغ قطرها 91سم، والتي يبلغ بعدها البؤري 4.57م.
2 مرآة ثانوية زائدية Hyperbolic Secondary Mirror
ينعكس الضوء من المرآة الأساسية ويسقط على هذه المرآة المصنوعة من الكوارتز المنصهر، والبالغ قطرها 18 سم، والتي تعكسه بدورها إلى داخل التلسكوب وصولًا إلى العدسة العينية.
3 مطياف بلا شق Slitless Spectroscope
يعمل هذا الملحق على شطر الضوء الذي يدخل التلسكوب إلى الأطوال الموجية المكوِّنة له بحيث يمكن تحليل درجة الحرارة أو التركيب الكيميائي للمصدر.
4 عجلة Wheel
هذه العجلة المصنوعة من الحديد الزهْر وبها 1080 سنًا، تسمح للتلسكوب بالدوران بحرية على محامل كُروية حول محور قطبي.
5 العدسة العينية Eyepiece
بدلًا من المطياف، يمكن استخدام التلسكوب ياب Yapp telescope مع عدسات عينية ذات تكبيرات مختلفة للرصد العادي.
6 ثقل موازن Counterweight
لموازنة الوزن الهائل للتلسكوب، وُضع ثِقَل موازن ضخم يزن 250 كغم بشكل متعامد على طوله.
7 محرك التوجيه Driving Motor
يتيح محرك كهربائي مزود بتروس، إضافةً إلى ثقل ساقط، تدويرَ التلسكوب بزاوية 360 درجة، وتوجيهه إلى أي مكان داخل نصف كرة القبة.
8 القبة Dome
اكتمل بناء قبة التلسكوب في العام 1932. وبعد تركيب التلسكوب نفسه، افتتح في 2 يونيو 1934.
المرصد عبر السنين
1675
عيَّن الملك تشارلز الثاني جون فلامستيد في منصب الفلكي الملكي، وأمر ببناء مرصد في حديقة غرينتش.
1714
شُكِّلت لجنة لتوزيع الجوائز على أفضل الطرق لحساب خطوط الطول في البحر بنحو دقيق.
1852
أُرسِلت إشاراتُ الوقت عبْر خطوط التلغراف لمزامنة الساعات في جميع أنحاء البلاد.
1884
حدد مؤتمر خط الطول في واشنطن العاصمة خط غرينتش الرئيسي كخط الطول الأساسي للعالم.
1899
بني المرصد الفيزيائي الملكي في غرينتش.
1924
بدأ المرصد الملكي يبث إشارات الوقت، المعروفة باسم إشارة توقيت غرينتش، كل ساعة.
1948
نُقِل مكتب الفلكي الملكي إلى هيرستمونسو.
1957
نُقلت بقية المرصد الملكي إلى هيرستمونسو، وأُعيدت تسمية موقع غرينتش إلى المرصد الملكي القديم.
1984
مع التقدم في حساب خطوط الطول، نُقل خط الطول الرئيسي بمقدار 102م شرق خط غرينتش الرئيسي.
1998
أُعيد لقب مرصد غرينتش الملكي إلى موقع غرينتش بعد إغلاق الموقع الأحدث.
الفلكي الملكي للقرن الحادي والعشرين
يخبرنا اللورد مارتن ريس Martin Rees عن منصبه كفلكي ملكي حالي

في الفيزياء والفيزياء الفلكية، بما في ذلك
جائزة وولف Wolf Prize المرموقة
هل يمكنك أن تخبرنا قليلًا عن دورك كأول فلكي ملكي في القرن الحادي والعشرين؟
لا يزال منصب الفلكي الملكي Astronomer Royal موجودًا، لكنه لم يكن ذا قيمة حقيقية منذ ستينيات القرن العشرين، لأنه حتى ذلك الوقت تقريبًا، كان شاغل المنصب هو من يدير مرصد غرينتش الملكي، والذي أصبح متحفًا في ستينيات القرن العشرين، ونُقلت أجزاء منه إلى هيرستمونسو Herstmonceux. ثم بدأ الناس استخدام التلسكوبات على قمم الجبال في تشيلي وهاواي. لذا، ما حدث بعد ذلك هو أن المنصب ظل موجودًا، لكنه مُنح كلقب فخري لشخص نشط في مجال أكاديمي. وكان أول من حمل لقب الفلكي الملكي بالأسلوب الجديد هو مارتن رايلMartin Ryle، عالم الفلك الراديوي. لذا، فأنا على هذا النمط، إن صح التعبير، لأدعم علم الفلك وأروج له بعض الشيء.
ما رأيك في أول فلكي ملكي، جون فلامستيد؟
كان رجلًا عظيمًا، وقد عانى بسبب سوء علاقته بنيوتنNewton، لأن نيوتن أراد الحصول على بياناته لكنه رفض أن يمنحها له. كان فلامستيد يتتبع حركات الكواكب بدقة شديدة، وقد أدرك نيوتن أنه إذا كانت نظريته في الجاذبية صحيحة، فسيكون هناك تأثير طفيف يتمثل في وجود قوة جاذبية متبادلة بين زُحل والمشتري. ونتيجة لذلك، نشب خلاف بينهما إلى درجة أن نيوتن، بصفته رئيس الجمعية الملكية Royal Society، طرد فلامستيد بزعم أنه لم يدفع اشتراكه.
هل لديك أي نصيحة للقراء الذين يأملون متابعةَ مسيرة مهنية في علم الفلك؟
أعتقد أن علم الفلك مجال لا يزال يشهد تطورًا مستمرًا، وهناك أمور جديدة تحدث فيه. والنصيحة العامة التي أقدمها لأي شخص يفكر في دخول مجال علمي وإجراء أبحاث هي أن يختار موضوعًا تحدث فيه تطورات جديدة. فإذا دخلت مجالًا راكدًا، فلن تتمكن إلا من معالجة المشكلات التي عجز عنها الباحثون السابقون. أما إذا كان هناك شيء جديد، فلن تكون للباحثين القدامى فرصة للعمل عليه، وستتمكن من إنجاز أمور تحدث للمرة الأولى، وقد تكون في الواقع سهلة نسبيًا.