العلوم الإنسانية والإجتماعية

أمثلة على علماء تميّزوا بالموسوعية في الفكر والانتاج

1997 قطوف من سير العلماء الجزء الثاني

صبري الدمرداش

KFAS

علماء تميّزوا بالموسوعية في الفكر والانتاج العلوم الإنسانية والإجتماعية المخطوطات والكتب النادرة

كان علماء الزمن القديم بصفةٍ خاصة يتميَّزون بالشمولية في الفكر والغزارة في الإنتاج، فقد كانوا حقاً موسوعيين.

وإذا ما ذكرنا أرسطو، من معلمي الإنسانية، نجده قد بلغ في هذا الخصوص مبلغاً لم يؤته أحد من بعده، وكأنما أراد أن يكون قيماً على المعرفة الإنسانية كلها! فهو الحجة في المنطق والفلسفة والأخلاق والسياسة والاقتصاد والخطابة واللاهوت والدساتير والطبيعيات، من فلك وجيولوجيا وجغرافيا وعلم الحياة بفروعه من تصنيف وتشريح وأجنة ووظائف أعضاء، فضلاً عما وراء الطبيعة، وقد بلغت مؤلَّفاته نحو مائةٍ وسبعين في أبخس التقديرات! .

كذلك كان الفارابي علماً في علوم المنطق والفلسفة والموسيقى. وإذا علمنا أن الفلسفة على عهده كانت تتسع لتشمل الطبيعيات والرياضيات والميتافيزيقا والأخلاق والسياسة، لعلمنا مدى شمولية المعلم الثاني للإنسانية وموسوعيته.

وقد كتب عالمنا نحواً من سبعين كتاباً ورسالة أصيلة يتوجها كتابه الموسوعي "إحصاء العلوم". وهو أول محاول موسوعية في تاريخ الفكر الإنساني كله .

 

وعن ابن سينا حدِّث ولا حرج. فهو الطبيب الصيدلي الفيلسوف الفيزيقي الكيميائي النباتي عالم الحيوان الجيولوجي اللغوي الشاعر الموسيقي، وإنا لندهش عندما نعلم أن الكتب التي ألَّفها قد بلغت ستاً وسبعين ومائتي كتاب! وكيف أن حياته القصيرة اتسعت لمثل هذا الإنتاج الموسوعي الضخم مع أنها لم تتعد بضعاً وخمسين من السنين؟!. ومن موسوعاته "القانون" و "الشفاء" و "الإنصاف" .

واذكر في بناة الأكوان، البتَّاني، فلكي المسلمين، فقد أحاط بعلومٍ كثيرة وله فيها بحوث ومؤلفات في: الفلك وحساب المثلثات والجبر والهندسة والجغرافيا والتنجيم. وفي مكشتفي الحياة ، يبرز أبو بكر الرِّازي كموسوعة في جميع فروع المعرفة الإنسانية بلا استثناء .

فقد كتب في الطب والكيمياء والعلوم الطبيعية والفلسفة والدين والحساب والمنطق والغيبيات وغيرها، ضمنها أكثر من مائة وسبعين مرجعاً خلَّفه. ولم يكن إلمامه بهذه العلوم سطحياً وإنما ترك موسوعات عميقة في كثيرٍ من تلك المجالات تعتبر خلاصة المعرفة في ذلك الوقت .

وذلكم البغدادي، موسوعة تمشي على قدمين! فرغم أنه كان عَلَماً من أعلام النُّحاة ومحدِّثاً من كبار المحدِّثين، وبليغاً في علوم البلاغة، وإماماً من أئمة علوم الكلام، فقد كان فذاً كذلك في العلوم العقلية، من طبٍ وحيوانٍ ونباتٍ وفلكٍ وفلسفةٍ وجغرافيةٍ وتاريخ!.

 

واذكر في روَّاد الفيزيقا  الكندي، فهو ذو اهتمامات متعدِّدة، اشتغل بعلوم الحكمة والطبيعيات والرياضيات  والفلك والطب، فضلاً عن كونه المترجم الحاذق بل أحد المترجمين المسلمين الخمسة المشهورين في العصر الإسلامي، وقد بلغت مؤلَّفاته نحو الأربعين والمائتين بين كتابٍ ومقالٍ ورسالة ! .

وابن الهيثم قد أتم تأليف نحو المائتي مصنّف في شتى صنوف المعرفة، يتوجها مؤلفه الأشهر في البصريات "المناظر".

وكذلك ألّف البيروني في مختلف مجالات المعرفة : في الفلك والرياضيات والطب والصيدلة والكيمياء والتاريخ والجغرافيا وعلم النبات وعلوم الأرض وعلوم الحكمة وغيرها. وهو ليعد بحق من أعظم العلماء الموسوعيين في كل العصور .

وكان الشيَّرازي علماً من أعلام المسلمين في الطبيعيات والفلك والطب والفلسفة والتصوف والقضاء والسياسة والترجمة ! .

 

كما كان هوك متعدد المجالات كذلك. له أعمال في علوم  كثيرة مثل : علم الرصد الجوي وعلم الحياة وعلم الأرض وعلم التطور وعلم الهندسة فضلاً عن علم الطبيعة بفروعه المختلفة .

ويسألونك عن فرانكلين، قل هو مَنْ جمع فأوعى . فهو العالم المعلِّم المخترع الأديب السياسي الفيلسوف الإداري رجل الأعمال ! وقد علَّم هذا العالم الفذ نفسه، وهو طفل، الحساب والجبر والهندسة والملاحة والمنطق وقواعد اللغة !! .

ومن رواد الكيمياء، يتصدَّر لافوازييه، لم يكن عالماً من الكيميائيين فحسب، وإنما سياسياً من الثائرين ، واجتماعياً من المصلحين واقتصادياً من الثقات الواثقين، وزراعياً من الزراع المبدعين، ورائداً في التعليم العام والتنظيم الحكومي. إنه حقاً الإنسان الشامل المتكامل النابغة في كل هذه المجالات والجنبات!.

ولا تزال الأمثلة كثيرة …

 

فليوناردو دافينشي، أحد علماء إيطاليا في عصرة النهضة الأوروبية ، يحاكي بعض نوابغ العرب في الشمولية والموسوعية والإحاطة العلمية.

فقد برع في الطب والفن والعلوم والهندسة (شكل رقم 243) و (شكل رقم 244) ويذكره الاوروبيون على أنه مثال متفردٌ في ذلك ، ناسين أو متناسين أن الكثيرين من علماء المسلمين قد سبقوه إلى ذلك ، بل أنه تلقَّى عنهم واستفاد منهم .

كذلك كان عمر الخيام، صاحب الرباعيات المشهورة، شاعراً  ومتصوفاً وفيلسوفاً وعالماً إيضا فذاً في الرياضيات والفلك. فقد سبق ديكارت في الهندسة الوصفية، كما أن دراسته لإقليدس وتعليقاته عليه كانت من أولى الدراسات المعارضة للهندسة الإقليدية.

 

كما أنه وضع تقويماً أفضل من التقويم الجريجوري ، إذ أن معدل الخطأ فيه لا يعدو يوماً واحداً في كل خمسة آلاف عام ، بينما الخطأ في التقويم الجريجوري يحدث بمقدار يوم كل ثلاثة آلاف عام . وإذا كان الخوارزمي هو واضع علم الجبر، فقد قام ابن الخيَّام بتعزيزه.

هذا ، ويلاحظ أن الكثيرين من العلماء الموسوعيين، وخصوصاً في العصر الإسلامي، كانوا يربطون العلم بالفلسفة، فهم علماء فلاسفة أو فلاسفة علماء ومن الذين برزوا في هذا الخصوص في المشرق الإسلامي: ابن سينا في الدولة السَّامانية ، والفارابي في الدولة الحمدانية ، وابن ملكا في الدولة السلجوقية، والقطب الشَّيرازي في دولة إيلخانات التتار في القرن الثالث عشر للميلاد . وفي المغرب الإسلامي : ابن رشد وابن طُفيلْ .

ومما لا شك فيه أن الموسوعية العلمية هذه للعلماء العرب كانت من أسباب التقدم السريع الذي حقَّقته الحركة العلمية في الإسلام .

[KSAGRelatedArticles] [ASPDRelatedArticles]

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى