التاريخ

نبذة عن حياة وتعلم ابن البيطار لعلم النبات

1997 قطوف من سير العلماء الجزء الأول

صبري الدمرداش

KFAS

ابن البيطار علم النبات التاريخ المخطوطات والكتب النادرة

سل عن عالم أّثرَى علوم النبات والصيدلة والطب مجتمعةً بعلمه وتجربته، فلن تجد خلافاً على أنه عالم المسلمين، ابن البيطار (شكل رقم 89) الذي ساح بلاداً وبلاداً لعشقه لدراسة النبات..

نبؤة …. عالم

في مدينة ملقا، على الشاطيء الجنوبي الشرقي للأندلس (أسبانيا الآن) كان يعيش أحمد البيطار مع زوجته نُعمَي وابنهما عبدالله.

وذات يوم كان أحمد جالساً أمام سور بيته يعمل، حين وفد عليه ابن الرومية عالم النبات بإشبيلية، فترك أحمد عمله ورحَّب بضيفه وحكي له قلقه على ولده عبدالله، الدائم التجوال في الغابة وعلى شاطئ النهر وفي أحضان البساتين.

وحدَّثه عن ولعه بالأزهار والأشجار وعن خوفه عليه أن  يصير يوماً شقياً من الأشقياء، أو أن يذهب ضحيةً للفرسان الأسبان النذلاء الذين يجوبون تلك الأماكن.

كما حدَّثه عن عزوف ولده عن العمل معه في البيطرة. فضحك ابن الرومية، وقال: لو صحَّ حدسي يا أبا عبدالله، فابنك لن يكون بيطاراً مثلك، وأحسبه سيصير عالماً مثلي في النبات والصيدلة، ولسوف يأتي يوم ألتقي به وأغريه بصحبتي والتعلم على يدي.

وودَّع أحمد صاحبه، وانصرف ابن الرومية مبتعداً وقد طرح وراء ظهره كيساً عامراً بما جمعه من نباتاتٍ طبية في غابات ملقا وأحراشها، وتوجَّه إلى جبل الفتح.

 

عند سفح الجبل

وعند سفح جبل الفتح رأى ابن الرومية غلاماً في العاشرة جالساً يرسم في دفتر من الذاكرة، ولما أدركه وجده عبدالله بن أحمد البيطار، ولما أبصر ابن الرومية دفتره، وقد امتلأ برسوم متعدِّدة الألوان، قال بدهشة: عجباً كيف عثرت على كل هذه الألوان؟!

فقال الغلام بزهو: من الطبيعة، من أصباغ خلَّقتها بنفسي. ولما علم عبدالله أنه يتحدث إلى عالم النبات الإشبيلي أبو العباس أحمد بن محمد بن الرومية حدَّثه برجاء: ليتك تعلمني يا سيدي مما أوتيت علماً عن النبات: فأجاب العالم: (معملي مفتوحٌ لك يا بني في إشبيلية عندما يحين الوقت المناسب لذلك).

ومرت السنوات، وحان الوقت المناسب، فعزم عبدالله على الرحيل وحده إلى إشبيلية ليدرس علم النبات على يدى ابن الرومية، وقد طمأن أمه عندما أوصته بالاحتراس من قطاع الطرق: (لا تخافي عليَّ، فليلي سأنامه بين أغصان الشجر وفي النهار لن أسير في طريقٍ يألفه الناس، ومعي خنجران ويدي لا تخطيء الرمي بهما، كما أني أجيد العدو في خفة الفهد!).

ومع بزوغ الفجر وإطلالة الشروق، ودَّع عبدالله أبوية وسار غرباً في قلب الغابة قاصداً إشبيلية، ومشى معه أبوه بعض الطريق وهو يذكِّره : (ولا تنس يا بني أن ابن الرومية عالمٌ أيضاً بكتاب الله وسنة رسوله علمه بالنبات فخذ يا ولدي حظَّك منهما على يديه، واكتب لنا يا عبدالله مع بريد الخيل، وزرنا بين حين وحين).

وسار عبدالله وسار حتى دخل إشبيلية في العام السادس من القرن السابع الهجري، التاسع من القرن الثالث عشر الميلادي، وكانت خاضعةً مثل ملقا لحكم المغاربة الموحِّدين، وتوجَّه من فوره إلى ابن الرومية حيث رحَّب به وصحبه إلى معمله ومشتله.

 

لقاءٌ في المعمل وفي المشتل

أبصر عبدالله المعمل الصغير وقد ازدحم بالمناضد والدوارق والأنابيب والزجاجات المليئة بسوائل ملونة، وقد عُنونت بأسماءٍ مختلفة، كما كان به أجهزة للتقطير والترشيح والتكثيف. كما ذهب إلى المشتل من وراء المعمل وقد غُرست في أرضه نباتات وفي أوانٍ خزفية.

وفي المشتل صحب ابن الرومية تلميذه إلى غرفته، وجلسا معاً جلسة صديقٍ إلى صديق. قال العالم: تذكَّر يا عبدالله أن العلم متشابك ويؤدِّي إلى بعضه البعض.

الطب مثلاً تشخيصٌ وعلاج، والعلاج أعشابٌ وكيمياء. وفي العلاج عناصر من النبات والحيوان والمعادن. ولذلك لا بد للطبيب من معرفة علوم النبات والحيوان والمعادن والكيمياء.

وفي المعمل والمشتل، كان عبدالله يقوم برسم ما تقع عليه عيناه، لأنه ربما يكون له مثلهما في أحد الأيام.

[KSAGRelatedArticles] [ASPDRelatedArticles]

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى